بسـم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورجمة الله وبركاتة
وأي الأبوين الكافرين أسلم ؟ فكل من لم يبلغ من أولادهما مسلم بإسلام من أسلم منهما - الأم أسلمت أو الأب - وهو قول عثمان البتي , والأوزاعي , والليث بن سعد , والحسن بن حي , وأبي حنيفة , والشافعي , وأصحابهم كلهم .
وقال مالك , وأبو سليمان : لا يكونون مسلمين إلا بإسلام الأب , لا بإسلام الأم .
وقال بعض فقهاء المدينة : لا يكونون مسلمين إلا بإسلام الأم , وأما بإسلام الأب فلا ; لأنهم تبع للأم في الحرية , والرق لا للأب .
قال أبو محمد : ما نعلم لمن جعلهم بإسلام الأب خاصة مسلمين حجة أصلا , ونسألهم عن قولهم في ابن المسلمة من زنا استكراه فمن قولهم : إنه مسلم بإسلامها وهذا ترك منهم لقولهم , ووافقونا أنه إن أسلم الأبوان , أو أحدهما , ولهما بنون وبنات قد بلغوا مبلغ الرجال والنساء فإنهم على دينهم لا يجبرون على الإسلام - وبه نقول لقول الله تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } والبالغ مخاطب قد لزمه حكم الكفر أو الذمة , وليس غير البالغ مخاطبا كما قدمنا قال مالك : نعم , ولو كان الولد حزورا قد قارب البلوغ ولم يبلغ فهو على دينه .
قال أبو محمد : وهذا خطأ فاحش ; لأنه ليس بالغا , وما لم يكن بالغا فحكمه حكم من لم يبلغ لا من بلغ - وبالله تعالى التوفيق .
وأما من قاس الدين على الحرية والرق فالقياس كله باطل قال الله تعالى : { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } .
فصح أنه لا يجوز تبديل دين الإسلام لأحد ولا يترك أحد يبدله إلا من أمر الله تعالى بتركه على تبديله فقط , وقال تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } , [ ص: 383 ] فصح أنه لا يجوز أن يقبل في الدنيا ولا في الآخرة دين من أحد غير دين الإسلام إلا من أمر الله تعالى بأن يقبل منه ويقر عليه .
ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من مولود يولد إلا على هذه الملة حتى يبين عنه لسانه } فصح أنه لا يكون أحد إلا على الإسلام حتى يعبر عن نفسه ; فمن أذن الله تعالى في إقراره على مفارقة الإسلام الذي ولد عليه أقررناه , ومن لا لم نقره على غير الإسلام .
ومن طريق مسلم نا حاجب بن الوليد نا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من مولود إلا يولد على الفطرة أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحس فيها من جدعاء } .
قال أبو محمد : فصح أنه لا يترك أحد على مخالفة الإسلام إلا من اتفق أبواه على تهويده , أو تنصيره , أو تمجيسه فقط , فإذا أسلم أحدهما فلم يمجسه أبواه , ولا نصراه , ولا هوداه فهو باق على ما ولد عليه من الإسلام ولا بد بنص القرآن والسنة .
وقد وهل قوم في هذه الآية وهذه الأخبار وهي بينة وهي العهد الذي أخذه الله تعالى على الأنفس حين خلقها كما قال تعالى : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين }
وقد اختلف قول عطاء في هذا . فمرة قال كقولنا : إنه مسلم بإسلام أي أبويه أسلم .
ومرة قال : هم مسلمون بإسلام أمهم لا بإسلام أبيهم . [ ص: 384 ]
ومرة قال : أيهما أسلم ورثا جميعا من مات من صغار ولدهما وورثهما صغار ولدهما .
روينا هذه الأقوال كلها عن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عنه - روينا عن شعبة عن الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان أنهما قالا جميعا في الصغير يكون أحد أبويه مسلما فيموت : إنه يرثه المسلم ويصلى عليه .
ومن طريق معمر عن عمرو والمغيرة قال عمرو : عن الحسن , وقال المغيرة : عن إبراهيم النخعي قالا جميعا في نصرانيين بينهما ولد صغار فأسلم أحدهما : إن أولاهما بهم المسلم يرثهم ويرثونه .
وقال الأوزاعي : إن أسلم جد الصغير , أو عمه فهو مسلم بإسلام أيهما أسلم , وقال سليمان بن موسى : الأمر فيما مضى في أولينا الذي يعمل به ولا يشك فيه ونحن عليه الآن أن النصرانيين بينها ولد صغار فأسلمت الأم ورثته كتاب الله تعالى وما بقي فللمسلمين , فإن كان أبواه نصرانيين وهو صغير وله أخ من أم مسلم , أو أخت مسلمة ورثه أخوه , أو أخته كتاب الله , ثم كان ما بقي للمسلمين . روينا هذا عنه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج : أنه سمع سليمان بن موسى يقول هذا لعطاء , وسليمان فقيه أهل الشام أدرك التابعين الأكابر . ولسنا نراه مسلما بإسلام جد , ولا عم , ولا أخ , ولا أخت , إذا اجتمع أبواه على تهويده , أو تنصيره , أو تمجيسه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
تحيـــــــــــــاتي